تعرضنا في مقال سابق عن نصائح هامة وأفكار لتسهيل عملية التعلم لأطفال فرط الحركة وتشتت الإنتباه، ونستكمل في هذا الجزء غرض هذه الوسائل التعليمية، مع التركيز على الصعوبات المدرسية وطرق التغلب عليها.
تشكل الحياة المدرسية، وعملية التعلم الأكاديمي تحديًا حقيقيًا للأطفال الذين يعانون من إضطراب فرط الحركة وتشتت الإنتباه، والمعروف إختصارًا بـ -أفتا- ولآبائهم ومعلميهم.
وفي هذا المقال نتعرض للصعوبات المدرسية لأنه لابد من الفهم الصحيح لما يجري في عقل الطفل ونفسه حتى نصل للحلول والتي نقدم بعضًا منها.
¤ العيش بدون فلتر:
أطفال -أفتا- غير قادرين على تصفية المدخلات الحسية، أي أنهم يعانون لإختيار ما يركزون عليه، فنشاط أدمغتهم الكبير يجعلهم يلاحظون كل التفاصيل بحواسهم، ولا ينتقون ما يركزون عليه، فالهمهمات، والأضواء، والطيور المحلقة، والزميل الذي يتحرك إلى خارج الفصل، ورائحة الطعام، وإنعكاس الضوء على المقاعد! كلها مدخلات لا يستطيعون بسهولة عدم التركيز عليها.. لذا فإن ذاكرة المد الطويل عندهم ليست نشطة لكثرة المدخلات التي تتبدد في ذاكرتي المدى القصير والمتوسط.
وهذا يُفسر لماذا لا ينتبه طفل -أفتا- لما يقوله أو يطلبه المعلم في أحيان كثيرة، ليس لأنه لا يهتم، إنه يحاول أن يكون مهتما ولكنه يجد صعوبة.
الدماغ يمكنه تلقي حوالى 2000 معلومة من الحواس المختلفة في الثانية الواحدة، قد يبدو هذا كثيرا، ولكن الحقيقة أن القليل فقط هو الذي يتم إدخاله للمخ والتركيز عليه، وهو ما يكون صعبا لدى طفل أفتا.
يزداد الأمر تعقيدا لكونه غير ماهر في تحديد الأولويات، فإذا تلقى أمرين، أو كان عليه القيام بمهام، أو سمع أكثر من معلومة، أو تعرض لعدة مثيرات للإنتباه، فهو لا يحسن إختيار الأهم فالمهم للتركيز عليه وفهمه وأدائه.
لا تظن أن طفلك لا يركز في المدرسة، إنه فقط لا يعرف كيف ينتقي ما يركز عليه.
وحتى تتحكم في المدخلات الحسية، وتساعد طفلك على التركيز على المعلومات الهامة، هذه بعض النصائح الهامة:
1= التحكم في الحركات والمشتتات: من المهم جدا إبقاء الحركات والمتغيرات في محيط الطفل ودائرة سمعه وبصره في حدها الأدنى، مقعده يُفضل أن يكون في مواجهة جدار فارغ، يجب أن يبقى بعيدا عن النوافذ والأبواب وكل ما يمكنه جذب بصره.. نفس هذه التعليمات تطبق في المنزل أثناء وقت الدراسة.
2= إستخدم طرقا جديدة لإثارة فضول طفلك: افعل شيئا مختلفا لجذب الطفل وتحفيزه على أداء الواجب المدرسي وإستيعاب دروس جديدة، ضع قبعة على رأسك.. علمه وأنت تتحرك، إجعله يتجاوب معك وهو على الترامبولين، علمه الحروف الأبجدية في لحن أغنية.. هذه الأمور قد تبدو لك مشتتة لإنتباهه ولكنها في الحقيقة تبقيه مركزا ونشطا وغير متململ، المهم أن تكون هذه الأشياء خادمة للتعلم، لا أن تحاول تعليمه أثناء لعبه.. هناك فرق بين أن نلعب لعبة نتعلم بها، وبين أن ننغص عليه اللعب.
ومن الطبيعي أن يكون فعل هذا يوميا أمرا صعبا، إجعله ولو يوم كل أسبوع ينتظره طفلك، الجميل في هذا الأمر أنه سيتعلم تكنيك جديد يقوم به بنفسه فيما بعد للتركيز على أموره والوصول لمستويات إدراك أعلى وتركيز أطول.
3= لا تفاجيء الطفل بأنشطة غير متوقعة: لأن هذا سيربكه، من المهم أن يفهم المعلمون هذا.. أن التمهيد للطفل بشأن تغيير الفصول، أو المعلم، أو المقعد، أو إقامة مسابقة أو حفلة، أو غيرها من الأمور أمر هام.
¤ الطيران أو التجمد!
القدرة على إدخال المعلومات المهمة هي الخطوة الأولى في عملية التعلم، ولكن عندما تكون المعلومات التي يتلقاها الدماغ أكثر من اللازم، فإنه يفقد السيطرة، ويزداد الشعور بالقلق ويكون رد الفعل يشبه الطيران وكأن المخ يحلق بعيدا عن كل هذه الفوضى المعلوماتية التي لا يستطيع التحكم فيها، أو ما يشبه التجمد.. فتبدو ردود أفعاله وكأنها خارج الواقع تماما، يرد بردود غير مناسبة، وكذلك التصرفات.
وكأن المخ يقول: هذا صعب جدا، وفرصة النجاح ضئيلة جدا، لذا ببساطة ساتوقف عن المحاولة.
وفيما يلي التركيز على أهم مسارات تعليم أطفال -أفتا-:
* تنشيط العقل بالفضول:
ـ أثر فضول عقله، اربط الدرس بشيء يهتم به، قم بعمل تحدي مع الطفل، المخ يحب أن يكون على حق.
ربط الدرس بالتحدي، وكذلك ربطه بكل ما له صلة من أفلام وكتب، وأماكن كالمتاحف أو المواقع التي تدعم المادة المدروسة كلها أمور فعالة.
* تبسيط المعلومات:
فكّك الواجبات إلى مهام صغيرة، وإستخدم وسائل عديدة لإيصال المعلومة وتفهيمها للطفل، ومن ذلك: تلخيص الموضوع في خطوط عريضة وجمل سهلة، والجرافيك.
هناك تجارب عديدة لآباء نجحوا مع أبنائهم في المذاكرة بإستخدام الغناء أو الرقص أو ألعاب الصيد.
إحدى الأمهات تحكي تجربتها في تحفيظ إبنتها جدول الضرب من خلال لعب الكرة، فكانا يتبادلان رمي الكرة ولكن بشرط أن تقول الفتاة قبل كل رمية للأم نتيجة حاصل ضرب رقمين، فإذا أجابت بشكل صحيح رمت الأم الكرة ومضيا في اللعب، وإذا لم تعرف تقول لها الأم وتردد وعليها أن تجيب بشكل صحيح في الرمية المقبلة، وقد حفظت الطفلة جدول الضرب بسهولة ومرح، ويؤكد علماء النفس على أن المرح والحركة والأغاني يُنشط جزءًا مختلفًا في الدماغ.
* استراتيجيات للنجاح:
يتطلب النجاح الدراسي أمورًا عديدة تشكل تحديًا لأطفال -أفتا- فعليهم أن ينظموا أنفسهم، ويتحكموا في المدخلات الحسية التي تطرق عقولهم، ويستخدموا ذاكرة المدى الطويل، وينخرطوا في مهام متشابهة لفترات طويلة، وأن يحافظوا على إتزانهم وشعورهم بالأمان والأمل.
إستراتيجيات النجاح تعمل على الجوانب التي غالبا ما يتم تجاهلها لدى أطفال فرط الحركة وتشتت الإنتباه، فهؤلاء الأطفال يتميزون بكونهم: حساسون، ومتأملون، ومبدعون جدا، لذا فإن أول طرق النجاح أن تسأل طفلك عما يحتاج، عما يريد لجعل المدرسة أفضل له، والمذاكرة أيسر، وهذه بعض الطرق العملية السريعة التي تعين الطفل على النجاح في التعليم بعضها مستفاد من موقع إمبورنج بارينتس:
1= إبحث عن الأشياء البسيطة التي تشعرهم بالإنتماء والهدف: إذا كانت الدراسة الأكاديمية تسبب لطفلك الكثير من الإجهاد، فمن المهم أن توجد له مساحات أخرى داخل المدرسة نفسها وخارجها، مثل أنشطة الفنون، أو الرياضة، فهذا سيريحهم ويعيدهم إلى الفصول والدراسة أكثر قدرة.
2= أشرك المعلم/ المعلمة: تعاون المعلمين أمر هام لضمان التوجه الإيجابي في المدرسة، كن متواصلا مع معلم طفلك، واجعل رسالتك له واضحة في التقدير وليس اللوم أو الغضب.
3= قدم قائمة للمعلم: قائمة تضم 10 طرق تنجح مع الطفل في البيت لإحتواء غضبه وتعديل سلوكه، فهذه القائمة ستساعد المعلم كثيرا وتبعده عن إستخدام طرق غير جيدة أو ناجعة، ويمكنك عقد إجتماع كل 6 إلى 8 أسابيع مع المعلم لمناقشة القائمة.
4= اربط التعلم بالمتعة: املأ دماغ طفلك بالمتعة، والأنشطة، والأنشطة الناجحة خارج المدرسة، الكثير من أطفال -أفتا- مولعين بألعاب الفيديو والكمبيوتر والهواتف الذكية، فهي تمثل لهم تغذية راجعة فورية -رد فعل سريع دون انتظار- وتقدم لهم هدفا واضحا، والكثير من الجذب البصري، وتعلمهم التنظيم بسهولة.
إبحث مع طفلك عن الألعاب المفيدة، واربط نجاحه فيها بقدرته على النجاح الدراسي، قل له ذلك بلهجة قاطعة: كما تقوم باللعب بكفاءة ستتعلم بكفاءة، حاول الربط بين الجانبين كلما استطعت.
وفي الختام فإن الحياة المدرسية عندما تكون صعبة على الطفل فقد تسبب له ألما نفسيا، أما لدى أطفال فرط الحركة وتشتت الإنتباه فإن الضرر قد يكون جروحا تستمر لفترات طويلة في حياته.
علينا أن نغير فهمنا وتوقعاتنا وعاداتنا ومعتقداتنا حول عملية التعلم والنجاح وعن هؤلاء الأطفال، ليسوا كسالى ولا أغبياء ولا متكلين على غيرهم، هم ببساطة يفكرون بشكل مختلف ويتعلمون بطريقة مختلفة، وإذا إستطعنا أن نقدم لهم الأجواء المناسبة في البيت والمدرسة فسنكتشف مدى تألقهم وتميزهم.
الكاتب: مي عباس.
المصدر: موقع رسالة المرأة.